الصابئة المندائيون .. ديانة تتوغل في عمق التاريخ وتكمل الطيف العراقي
الصابئة
المندائيون طائفة صغيرة تعيش في العراق منذ الاف السنين ،وبرغم ان عددهم
ليس بالكبير قياسا للاقليات الاخرى المتواجدة في العراق ، الا انهم يمتلكون
حضوراً كبيراً بين الطوائف الاخرى ويحضون باحترام الاغلبية العراقية ، حيث
انهم يمتلكون حضارة تمتد للعصور السومرية الاولى وديانتهم تعتمد التوحيد ،
لذلك فقد حضيت هذه الطائفة باهتمام اغلب الباحثين والمستشرقين والفت حولهم
العديد من الكتب التي تضمنت دراسات وبحوث وقراءات تتوغل في تاريخ الصابئة
ورغم انتشارهم في المنافي بعيدا عن وطنهم الام ( العراق ) الذي لم يبق فيه
منهم سوى عدد قليل ينتشر بين محافظات العراق في الجنوب والعاصمة بغداد ،
واعتقد ان عودة الامن واستتباب الوضع العام سيسمح بعودتهم الى الوطن واحياء
هذه الطائفة المهمة في النسيج الاجتماعي العراقي .
اصل المندائيون
أطلقت
على المندائيين عدة تسميات في التاريخ ، بعضها هم أطلقوها على أنفسهم فيما
كانت الاسماء الاخرى من نتاج الأقوام المجاورة لهم . حيث وردت في الكتب
والمؤلفات عدة اسماء يمكن ان نحصر المهم منها هنا واول الاسماء هو اسمهم
المعروف ( المندائيون ) والمأخوذ من (مندا) أي العارفون بوجود الحي العظيم ،
بمعنى الموحدين لله ، اما الاسم الاخر فهو ( الناصورائيون ) وهي تسمية
قديمة جدا، وتعني المتبحرين او العارفين بأسرار الحياة ، وتعني ايضا
(المراقبين ، الحراس) ، اما الاسم الثالث فهو ( الصابئة ) والماخوذة من (
صبا ) أي المصطبغون ( المتعمدون ) باسم الرب العظيم ، ويسمونهم ايضا بـ (
المغتسلة ) والماخوذة من (غسل) أي تطهر ونظف. وهذه التسمية أطلقها المؤرخون
العرب ، وذلك لكثرة اغتسالهم بالماء ( تعميدهم وغطسهم بالماء ).
ديانتهم
تعتبر
المندائية من الديانات القديمة والتي تعتمد التوحيد الالهي ، وهي ديانة
موحدة و مستقلة بذاتها ، لها فلسفة دينية ولاهوتية ، وكتاب مقدس ، كما ان
لها أيضا نظام ديني طقسي يتم بموجبه أداء كافة مراسيمها الروحية ، وهي ليست
طائفة يهودية كما يزعم البعض لأنها لا تتبع تعاليم التوراة، وأيضا ليست
طائفة مسيحية كما يزعم البعض الاخر ، والصابئة المندائيون يؤمنون أشد
الأيمان بأنبيائهم ومعلميهم وآبائهم الأوائل من الانبياء الذين يقدسونهم
واهمهم ، وكما ورد في كتاباتهم هو النبي والأب والرجل الأول آدم (أبو
البشر) والذي يحتفظ المندائيون بصحفه السماوية والنبي شيتل بن آدم الرجل
الأول (الغرس الطيب) والذي أفدى والده ، فكانت روحه الأقدس من بين البشر و
النبي سام بن نوح (المتعبد الخاشع) والذي تزخر الكتب الدينية المندائية
المقدسة بصحفه وقصصه وتراتيله و النبي يهيا يوهنا - يحيى بن زكريا يوحنا
المعمدان (الحبيب المرتفع) ويحتفظ المندائيون بكتابه الذي خطت قسم منه
أنامله المقدسة وزاد عليه تلاميذه من بعده .. وهو معلم الحق الأخير الذي
يؤمن به الصابئة المندائيون ، ويعترض بعض الصابئة على ربط ديانتهم
بالديانات.
المندائيون
يصرون على ان ديانتهم تختلف كليا عن باقي الديانات مع وجود تشابه متفق
عليه بين جميع الديانات وهو التوحيد وبعض التحريمات التي من ابرزها (جدف
أسم الله أي الكفر به وتوطئة شانه ، القتل ، السرقة ، الخداع ، الزنا،
الكذب ، التأويل ، شهادة الزور ،الحسد ، النميمة ، الغيبة ، خيانة الأمانة
والمعشر ، وكل ما يسيء التصرف الإنساني و السجود لغير الحي العظيم وعبادة
الكواكب والأفلاك و البشر والنار والماء ، وكل شيء غير الخالق الأزلي اضافة
الى تحريم السحر والشعوذة بكل أنواعه و قتل الحيوان بدون سبب، وتاذيته عند
نحره و أكل دم الحيوانات والميتة منها ، وذبح الحامل ، واكل الحيوانات
المفترسة وكل الأعمال التي تضر بصحة الإنسان الجسدية والروحية والعقليةو
لبكاء والنواح ولبس السواد على الموتى وإعطاء الصدقة والتحدث بها واالختان
وأي تغيير في جسد الإنسان الذي وهبه الله له و تلويث الطبيعة والأنهر
والانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض المتعمد و الحلف او القسم اذا كان باطلا
والرهبنة التشبث حد العبادة بالدنيا الفانية وبمقتنياتها الزائلة ، ان
الطقس المركزي في الديانة المندائية هو (طقس المصبتا ) والذي يعني الصباغة
او التعميد الذي يجري في الماء الجاري (الحي) الذي يعتبر رمزا للحياة عند
اغلب الديانات .
* اللغة المندائية
اللغة
المندائية توغل فيها الباحثون واسهبوا في الحديث عنها لوجود اكثر من راي
مبني على اسس ميثولوجية او بناء على اماكن استخدامها حيث يذكر عدد من
الباحثين ان اللغة المندائية واحدة من عائلة اللغات السامية ويصنفها
اللغويون بأنها الفرع النقي للآرامية الشرقية لصرامة محافظتها على عدم
التأثر بأي لهجة أخرى. والدارس لهذه اللغة يفاجئ بالكم الكبير الذي تحتويه
هذه اللغة من المفردات التي مازالت مستعملة في اللغة العامية المحكية في
العراق وبشكل خاص في وسطه وجنوبه بحكم وجود المندائيين في هذه المناطق ،
والتي ظلت على لسان العراقيين على الرغم من إعتماد اللغة العربية لغة دين
ولغة رسمية. فيما يقول الباحث ( صباح مال الله ) في احد بحوثه " المندائية
هي احدى اللهجات الشرقية للغة الآرامية وظهرت للوجود مع الظهور الأول
للآراميين منذ حوالي ثلاثة الآف سنة حين استوطنت قبائلهم على امتداد نهر
الفرات وفي كل منطقة الشرق الأدنى). كما يؤكد باحثون اخرون على انها وبعد
ان اخذت بالضعف والأنكماش التدريجي امام اللغة العربية التي هيمنت على
العراق بعد الفتح العربي الأسلامي في القرن السابع الميلادي ، تخلى
المندائيون في العراق عن لغتهم تماما لصالح اللغة العربية لأسباب عديدة ومن
اهمها الاضطهادات الدينية والعرقية ، وأصبحت تقتصر حاليا على رجال الدين
المندائيين الذين يؤدون بها الطقوس الدينية اي لغة طقسية ، اذا ما استمر
الحال كما هو عليه الآن فستنقرض هذه اللغة في المستقبل القريب كما تنبأت
بذلك الليدي دراور التي درست اللغة المندائية وترجمت كتبهم وعاشت معهم
لفترات طويلة. كما ان الهجرة التي فرضت على المندائيين في العقدين الأخيرين
وانتشارهم في المهاجر شكل تهديدا خطيرا آخر للغة المندائية والتراث
المندائي
الاعياد لدى الصابئة المندائيين
مثلهم
مثل باقي الديانات يحرص الصابئة المندائيون على اقامة اعيادهم الخاصة
والتي لها طقوس لاتشبه طقوس الاعياد في الديانات الاخرى ، حيث انهم وبناء
على تعاليم ديانتهم وموروثهم الشعبي يعيشون طقوس عائلية واجتماعية جميلة ،
ومن ابرز اعياد الصابئة عيد(دهوا ربا ) او ( العيد الكبير ) ويصادف هذا
العيد في الاول من شباط المندائي ، وفي هذا العيد يبقى المندائيون في
بيوتهم ولايخرجون منها لمدة 36 ساعة ويسمونها ( الكرصة ) ، ويقول احد
الباحثين عن هذا العيد “ الستة والثلاثين ساعة التي ( نكرص ) فيها فهي تمثل
الثلاثمائة والستون يوما التي بقاها النبي يحيى ساكنا في ذلك الرحم المقدس
اما العيد الاخر فهو ( عيد شوشيان ) او ( عيد الايام الستة ) والعيد الاخر
هو مناسبة ( دك الفل) ثم العيد الاخر وهو ( دهوا هنينا ) وهناك عيد اخر من
اعياد المندائيين هو ( تذكار ابو الهريس ) ومن اهم اعياد الصابئة
المندائيين عيد ( البرونابي ) او ( الايام الخمسة البيضاء ) ويسمى ايضا (
البنجة).
كل التقدير لكم
مني انا